كتب الأستاذ مَحۡمَد علي گوكۨـُل مقالة أدبية حول الأحداث الحالية، وما يعيشه بين الألم والأمل، منبهاً أن الصمت ولو بسبب العجز هو خذلان لن يُنسى:


 أيخاف الإنسان من النظر أو الرؤية؟ والصور التي تسقط على قلبه كالكابوس أتؤذي روحه، مثل طائر يتخبط في قفصه يميناً ويساراً؟ الألم هو لأمر بسيط، فهو يكاد يكويه ويحرقه، فلا يستطيع النظر، بل يقف متجمداً. غزة، أطفالها وصغارها ونساؤها الأبرياء يضيعون مثل النجوم، واحدا تلو الآخر، بين أنياب ولعاب الوحش.

  البذور تنمو في الحقول، كما كنت أظن، لكن تحت الأنقاض نُثرت بذور المستقبل، ألفا طفل. قسامو الغد، شجعان الغد المنعاء، يرقدون هنا بصمت وهدوء.

 مرة أخرى، تلك الصور تعرض بيئة واقعية تتسع بها العيون مثل حجر الفأل، مضاهيةً أفلام الرعب. وبينما يجوب الحزن أجواء غزة، ترافق الغيوم الأجساد الصغيرة الصاعدة، ملاكاً ملاكاً. وربما حُلفت الأيمان أن الملائكة الذين يوصلونهم إلى الجنة، كانوا على صورة أمهاتهم.

  وسمعنا صرخة، من غزة الحية إلينا نحن الأموات. لم نكن لنعرف أن الأموات هم نحن، لكن صحينا وانتبهنا، ورأينا أن السائرين في أجساد هامدة هم نحن. صوت واحد كان كافياً، لإحياء قلوبنا الميتة صرخة واحدة: ﴿حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِیلُ﴾. لكن لم يخرج إلى وجه النهار لا الأمهات اللائي أنجبن الشجعان، ولا الأبطال الذين كانوا حاضرين.

  هل هناك شعور مؤلم كالصمت؟ لم أكن أعرف ذلك حتى اليوم، عرفت ذلك وتعلمته. الصمت، لكم هو مؤلم! كرصاصة تلو رصاصة يمزق غشاء قلبي. فصمت الأصدقاء أشد إيلاماً من هجوم العدو! وقد قال الملك الحكيم: "وعندما ينتهي كل شيء، ما سنتذكره ليس كلمات أعدائنا، بل صمت أصدقائنا."

  وهناك مطأطئو الرؤوس الخاضعون، من بيعت أرواحهم، بمشاعر الهزيمة والذل، عبيد العصر الحديث! لأجل أن تحدث صحوة تنبههم للسلسلة التي حول أعناقهم، ومن أجل غزة بكيت طوال الليل. لفلسطين، الأقصى، القدس، ... أنا بعت قلبي للصحراء ذات القبة الذهبية. بدموعي سقيت مقاتلي أبي عبيدة الشجعان. من أجنحة الملائكة نزعت ريشة لإيقاظ الأطفال من نومهم. ومع ذلك، لا أستطيع أن أقول إنني فعلت أي شيء، بقدر ما فعلت رصاصة واحدة من مقاتل.

  ثم غذيتُ الأحلام بصحبة وصداقة حراس السماء خلال الليالي. والنصر جعلته علم قلعة، يظهر السبيل إلى الحقيقة للأحلام. في تلك القلعة، في أعلى نقطة منها ، قلادة كانت في الهواء قمتُ بتعليقها حول عنق أبي عبيدة في أحلك لحظات الليل.

  وأدركت أن النصر لم يكن بعيداً. وبشجاعة لا مثيل لها، مشيراً إلى قبة الأقصى الرصاصية، في ضوء ساطع لبشرى صاعدة، بقلوب مليئة بالبشر وعيون مليئة بالفخر، وقفتُ أشاهد بإذن الله هزيمة جبل صهيون المحطم. اسمك النصر والظفر، اسمك الشرف والفخر يا غَزَّة.
 

(İLKHA)